مقترح للمصالحة الوطنية والانتقال السلمي للسلطة في مصر

لما كانت مصر قد تعرضت لأزمات متلاحقة على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، خلال السنوات الماضية، بسبب عوامل متعددة على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، مما أوصل مصر إلى حالة عصيبة ومعقدة، وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي من خلال تصريحه الذي أطلقه في شهر أكتوبر الماضي والذي كشف فيه عن أن الظروف المصرية الحالية تشبه الظروف التي مرت بها مصر في نكسة عام 1967.

ولأن المجلسين النيابيين المصريين (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) لم يشاركا بشكل فاعل في تحقيق تطلعات الشعب المصري، بل ساهما في صناعة فجوة من عدم الثقة بين أفراد الشعب ومؤسسات الدولة، وهما بذلك يعتبران مؤسستين شكليتين صوريتين تضران بالإجماع الوطني والاستقرار الأمني والسياسي المنشود.

ولأن الإعلام والصحافة اللذين تم التحكم فيهما من قبل الأجهزة الأمنية أثبتا فشلهما إلى حد بعيد في تمثيل توجهات المواطنين واحتياجاتهم وبناء الثقة في مؤسسات الدولة، بل وأسهما في صناعة موجة خطيرة من الاستقطاب الحاد والمتطرف على الصعيدين الثقافي والسياسي، نظراً لتبنيهما خطابات موجهة أمنياً خالية من الثقة أو المصداقية، بالإضافة إلى تبنيهما سرديات متطرفة إقصائية تتغذى على الكراهية والمصالح الشخصية والفئوية الخاصة.

ولأن أي معالجة شكلية أو صورية للأوضاع الراهنة لن تكون مجدية بل سوف تسهم في تأزم الوضع بالأكثر. فقد بات على القيادة السياسية المصرية أن تتبنى حلولاً استثنائية خارج إطار الحلول التقليدية التي درجت عليها مصر منذ عام 1952، تلك التي اعتبرها العديد من الخبراء بمثابة مسكنات مؤقتة للحالة المصرية المتأزمة والمتفاقمة يوماً بعد يوم.

بناءً على ما سبق توصلت إلى عرض هذا المقترح الذي يستهدف إجراء مصالحة وطنية وانتقال سلمي للسلطة، كعلاج جذري فعال لما تمر به مصر من أزمات، بعيداً عن المسكنات التي جرى استخدامها بدون جدوى منذ الاستقلال، على النحو التالي:

– إنهاء الحبس الاحتياطي لكافة السياسيين وذوي الآراء السياسية، وإنهاء المحاكمات الأمنية ذات التحقيقات الغامضة والمبهمة لجميع السياسيين، بما فيهم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وتحويلهم إلى محاكمات مدنية عادلة، تلتزم بإجراء تحقيقات شفافة ونزيهة ومعلنة. تحكم بعقوبات عادلة وواضحة المعالم ومعلنة لكل من تورط في عنف أو تحريض على العنف. مع منح تعويض عادل لكل من عوقب بأكثر مما يستحق.

– تجريم تشكيل أي تجمعات أو جمعيات أو جماعات تجمع بين العملين الديني والسياسي وقصر العمل الديني الإسلامي السني الرسمي على مؤسسة الأزهر فقط، منعاً للبلبلة والتطرف والانقسام السياسي أو الديني.

– تعهد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المفرج عنهم بعدم ممارسة العمل السياسي أو العمل الدعوي نهائياً سواء في الحاضر أو المستقبل تحت أي مظلة دينية أياً كانت طبيعتها سواء كانت ذات سمة علنية أو سرية. بحيث يخضعوا للمساءلة القانونية في حال الإخلال بهذا التعهد.

– إعلان إنهاء الحكم العسكري باعتباره حكماً انتقالياً انتهى وقته وانقضت مرحلته التاريخية، وتشكيل مجلس رئاسي لإدارة شؤون البلاد خلال فترة انتقالية تمتد لستة أشهر يعمل على تمهيد البنية السياسية لاستقبال وضع مستقر يضمن الاستقرار السياسي والأمني والقانوني من خلال حياة سياسية دستورية جادة وعادلة ومناسبة، ومجالس نيابية تعبر عن تطلعات واحتياجات المواطنين.

– يتشكل المجلس الرئاسي من المشير عبد الفتاح السيسي ممثلاً عن المؤسسة العسكرية المصرية، والسيد محمد البرادعي ممثلاً عن التيار المدني المعارض في الخارج، والسيد محمد أنور السادات ممثلاً عن التيار المعارض المتواجد في مصر، والسيد عمرو موسى ممثلاً عن الحركة الدبلوماسية المصرية، والسيد منير فخري عبد النور ممثلاً عن الحركة الحزبية المصرية، والسيد حسام بدراوي ممثلاً عن الحوار الوطني.

– تعيين شيخ من مؤسسة الأزهر وأسقف من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كمستشارين للمجلس الرئاسي.

– منح الرئيس عبد الفتاح السيسي حصانة من الملاحقات القضائية على ما تم في الفترة التي تمتد من عام 2011 حتى نهاية ولايته الرئاسية نظراً لكونه أول رئيس مصري يرضى طواعية بالانتقال السلمي للسلطة، وهو ما سوف يعتبر من الإنجازات غير المسبوقة في تاريخ مصر.

– تشكيل لجنة من عدد من الخبراء الدستوريين والقانونيين من بينهم رئيس المحكمة الدستورية العليا، تعمل تحت إشراف المجلس الرئاسي سابق الذكر، يتمثل دورها في صياغة إعلان دستوري انتقالي لتمهيد البنية السياسية والتشريعية لانتقال مصر إلى نظام حكم برلماني مناسب للبيئة السياسية المصرية يقوم على مبادئ الديمقراطية التوافقية.

أخيراً، أنا مستعد أن أشترك في أي مخطط يتبنى تطبيق هذا المقترح بشكل جاد، سعياً لتحقيق المصلحة الوطنية العامة، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الخطوة في تقديري هي الأفضل لتجنيب مصر عواقب غير مرغوب فيها، إذ إنها تمثل تطوراً طبيعياً ومنطقياً للحياة السياسية المصرية كان من المفترض أن يحدث منذ عقود، حيث عانت الحياة السياسية معاناة شديدة على مدار العقود الماضية بسبب اللجوء إلى مسكنات تمثلت في خطوات شكلية وهياكل مؤسسية هشة عاجزة عن تلبية الاحتياجات الإنسانية والوطنية المختلفة، وقد أدت هذه الممارسات إلى شل وتجميد جميع المشاريع التنموية داخل الدولة على كافة الأصعدة.

28 يناير 2025

كيرلس عبد الملاك

كاتب صحافي وباحث سياسي

قد يعجبك أيضًأ